أسرار جمال لغتنا العربية، إحدى أبدع اللغات في العالم
لا يكفي أن تكون اللغة العربية الفصحى من أقدم اللغات الحية في العالم، ولا يكفي أن نقول إنها أكثر اللغات السامية انتشاراً وأهمية، ليس للناطقين بها فحسب، بل لجميع المسلمين في العالم، إذ لا تصح صلاة أي مسلم دون أن يحفظ بعض سور وآيات القرآن باللغة العربية ليؤديها في صلاته... ولا يكفي أن نقول إن الأمم المتحدة اعتبرتها لغة أساسية في منابرها، وكرست يوم الثامن عشر من كانون الأول يوماً عالمياً للاحتفاء بها، فكل ذلك يبقى ناقصاً ما لم يقترن بالكلام على جمال اللغة العربية كلغة منطوقة مكتوبة، لأنها، حقيقةً، تنفرد بجماليات لا تضاهيها أي جماليات في لغات أخرى، أو على الأقل هي واحدة من أجمل اللغات في العالم، كي لا نقع في التعميم المسرف.
يحار المتذوق العاشق في الحديث عن جمال اللغة العربية من أين يبدأ، وماذا يختار لنص محدود بحجمه وغايته كهذا النص. إلا أن أبرز ما يحضر قوياً هو ثلاثة أمور: جمال المترادفات، وجمال الاشتقاق، وجمال البديع، ولذلك سنعرض هنا بأقصى ما يمكن من الإيجاز (وهو من عناصر البلاغة في اللغة العربية)، لهذه الجماليات التي تميز اللغة العربية:
1. الترادف وجماليات الفروق والدرجات
نضرب مثلاً: الحب، والفعل حبَّ، فللحب أكثر من لفظ يميز بين 15 درجة منه؛ أي أن اللغة أنشأت فروقاً دقيقة بين حالات الحب من الهوى حتى الهيام، أو حتى الجنون حباً، أما أفعال الحب فهي أكثر عدداً. ونذكر هنا أن الكاتبة والأكاديمية اليابانية المعروفة ماري أوكا، المعروفة بمناصرتها للقضية الفلسطينية، قالت إنها تشعر بالحزن العميق كلما قرأت قصيدة غزلية من الشعر العربي بسبب غناها بأفعال العشق، وتنوع جماليات التعبير عن الحب، لأن اللغة اليابانية كلها فيها فعل واحد يعبر عن الحب، ونادراً ما يستخدمه اليابانيون.
إن الترادف في اللغة العربية لا يعني الإسهاب، إنه اكتشاف للفروق، ولجماليات الفروق بين درجات الموضوع الواحد. ولقد كتب الأصمعي منذ القرن الثاني الهجري كتاباً سماه "ما اختلفت ألفاظه، واتفقت معانيه"، وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية نقترح أن يوضع قاموس بالعربية للمترادفات فقط، يكون في متناول محبي اللغة العربية ودارسيها.
2. عائلات المفردات التي يربطها "أصل" واحد
المشتق هو لفظ أخذ من غيره مع التناسب في المعنى بين اللفظ المشتق وما أخذ عنه. ولعل ذلك من الخصائص البديعة التي تميز اللغة العربية، فنحن نستطيع اشتقاق اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة باسم الفاعل، واسم التفضيل، واسم المكان واسم الزمان، واسم الآلة من المصدر حسب رأي البصريين، أو الفعل حسب رأي الكوفيين. وإذا أضفنا إلى ذلك مزيدات الفعل الثلاثي والرباعي (أفعلَ، فعّل، فاعل، انفعل، افتعل، افعلَّ، تفعَّل، تفاعل، استفعل، افعوعل، افعوَّل، افعالَّ، افعنعل، افعنلى) فإننا سنحصل من مصدر واحد (أو فعل واحد) على عائلة من المفردات تعادل جزءاً كبيراً من قاموس! وعلى سبيل المثال، فإن اللغة الإنكليزية الأكثر انتشاراً في العالم تفتقر لهذه الميزة، ولذلك تستعمل بدلاً منها البوادئ واللواصق. وحين نتأمل جمال المعاني المتعددة التي نحصل عليها من خلال الاشتقاق نتذوق عميقاً مدى جماليات اللغة العربية، وهكذا يفيض قاموس اللغة العربية على مليون كلمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق